فصل: تفسير الآيات (10- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (10- 15):

قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وأما من أوتي} أي بغاية السهولة وإن أبى هو ذلك {كتابه} أي صحيفة حسابه {وراء ظهره} أي في شماله إيتاء مستغرقاً لجميع جهة الوراء التي هي علم السوء لأنه كان يعمل ما لم يأذن به الله، فكأنه عمل من ورائه مما يظن أنه يخفى عليه سبحانه، فكان حقيقاً بأن تعل يمينه إلى عنقه، وتكون شماله إلى وراء ظهره، ويوضع كتابه فيها، وهذا احتباك: ذكر اليمين أولاً يدل على الشمال ثانياً، وذكر الوراء ثانياً يدل على الإمام أولاً، وسر ذلك أنه ذكر دليل المودة والرفق بالمصافحة ونحوها في السعيد، ودليل الغدر والاغتيال في الشقي {فسوف يدعوا} أي بوعد لا محالة في وقوعه أبداً {ثبوراً} أي حسرة وندماً بنحو قوله: واثبوراه، وهو الهلاك الجامع لأنواع المكاره كلها لأن أعماله في الدنيا كانت أعمال الهالكين.
ولما كان ذلك لا يكون إلا لبلاء كبير، أتبعه ما يمكن أن يكون علة له فقال: {ويصلى سعيراً} أي ويغمس في النار التي هي في غاية الاتقاد ويقاسي حرها وهي عاطفة عليه ومحطية به لأنه كان تابعاً لشهواته التي هي محفوفة بها فأوصلته إليها وأحاطت به.
ولما ذكر هذا العذاب الذي لا يطاق، أتبعه سببه ترهيباً منه واستعطافاً إلى التوبة وتحذيراً من السرور في دار الحزن، فقال مؤكداً تنبيهاً على أنه لا ينبغي أن يصدق أن عاقلاً يثبت له سرور في الدنيا: {إنه كان} أي بما هو له كالجبلة والطبع {في أهله} أي في دار العمل {مسروراً} أي ثابتاً له السرور بطراً بالمال والجاه فرحاً به مخلداً إليه مترفاً مع الفراغ والفرار عن ذكر حساب الآخرة كما قال في التي قبلها {وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فاكهين} [المطففين: 31]، لا يحزن أحدهم لذنب عمله ولا لقبيح ارتكبه، بل يسر بكونه يأتي له ذلك فهو يحاسب في الآخرة حساباً عسيراً، وينقلب إلى أعدائه مغموماً كسيراً، وقد بان أن الكلام من الاحتباك: ذكر الحساب اليسير الذي هو الثمرة والمسبب أولاً يدل على حذف ضده ثانياً، وذكر السرور في الأهل الذي هو السبب في الثاني يدل على حذف ضده وهو سبب السعادة وهو الغم ومحاسبة النفس في الأول، فهو احتباك في احتباك، ثم علل ثبات سروره فقال مؤكداً تنبيهاً أيضًا على أنه لا يصدق أن أحدًّا ينكر البعث مع ما له من الدلائل التي تفوت الحصر: {إنه ظن} لضعف نظره {أن} أي أنه {لن يحور} أي يرجع إلى ربه أو ينقص أو يهلك.
{وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلاّ الدهر} [الجاثية: 24] فلهذا كان يعمل عمل من لا يخاف عاقبة {بلى} ليرجعن صاغراً ناقصاً هالكاً، ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لأجل من ينكر: {إن ربه} أي الذي ابتدأ إنشاءه ورباه {كان} أزلاً وأبداً {به} أي هذا الشقي في إعادته كما كان في ابتدائه وفي جميع أعماله وأحواله التي لا يجوز في عدل عادل ترك الحساب عليها {بصيراً} أي ناظراً له وعالماً به أبلغ نظر وأكمل علم، فتركه مهملاً مع العلم بأعماله مناف للحكمة والعدل والملك، فهو شيء لا يمكن في العقل بوجه. اهـ.

.قال الفخر:

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10)}
فللمفسرين فيه وجوه أحدها: قال الكلبي: السبب فيه لأن يمينه مغلولة إلى عنقه ويده اليسرى خلف ظهر.
وثانيها: قال مجاهد: تخلع يده اليسرى فتجعل من وراء ظهر.
وثالثها: قال قوم: يتحول وجهه في قفاه، فيقرأ كتابه كذل.
ورابعها: أنه يؤتى كتابه بشماله من وراء ظهره لأنه إذا حاول أخذه بيمينه كالمؤمنين يمنع من ذلك وأوتي من وراء ظهره بشماله فإن قيل أليس أنه قال في سورة الحاقة: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بِشِمَالِهِ} [الحاقة: 25] ولم يذكر الظهر والجواب: من وجهين أحدهما: يحتمل أن يؤتى بشماله وراء ظهره على ما حكيناه عن الكلبي.
وثانيها: أن يكون بعضهم يعطي بشماله، وبعضهم من وراء ظهره.
{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11)}
فاعلم أن الثبور هو الهلاك، والمعنى أنه لما أوتي كتابه من غير يمينه علم أنه من أهل النار فيقول: واثبوراه، قال الفراء: العرب تقول فلان يدعوا لهفه، إذا قال: والهفاه، وفيه وجه آخر ذكره القفال، فقال: الثبور مشتق من المثابرة على شيء، وهي المواظبة عليه فسمي هلاك الآخرة ثبور لأنه لازم لا يزول، كما قال: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان: 65] وأصل الغرام اللزوم والولوع.
{وَيَصْلَى سَعِيرًا (12)}
ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
يقال: صلى الكافر النار، قال الله تعالى: {وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء: 10] وقال: {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [آل عمران: 115] وقال: {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} [الصافات: 1] وقال: {لاَ يصلاها إِلاَّ الأشقى * الذي كَذَّبَ وتولى} [الليل: 16 15] والمعنى أنه إذا أعطى كتابه بشماله من وراء ظهره فإنه يدعو الثبور ثم يدخل النار، وهو في النار أيضًا يدعو ثبوراً، كما قال: {دَّعَوَا هُنَالِكَ ثُبُوراً} [الفرقان: 13] وأحدهما لا ينفي الآخر، وإنما هو على اجتماعهما قبل دخول النار وبعد دخولها، نعوذ بالله منها ومما قرب إليها من قول أو عمل.
المسألة الثانية:
قرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو ويصلى بضم الياء والتخفيف كقوله: {نصله جهنم} وهذه القراءة مطابقة للقراءة المشهورة لأنه يصلى فيصلى أي يدخل النار.
وقرأ ابن عامر ونافع والكسائي بضم الياء مثقلة كقوله: {وتصلية جحيم} وقوله: {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} [الحاقة: 31].
{إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13)}
فقد ذكر القفال فيه وجهين أحدهما: أنه كان في أهله مسروراً أي منعماً مستريحاً من التعب بأداء العبادات واحتمال مشقة الفرائض من الصلاة والصوم والجهاد مقدماً على المعاصي آمناً من الحساب والثواب والعقاب لا يخاف الله ولا يرجوه فأبدله الله بذلك السرور الفاني غماً باقياً لا ينقطع، وكان المؤمن الذي أوتي كتابه بيمينه متقياً من المعاصي غير آمن من العذاب ولم يكن في دنياه مسروراً في أهله فجعله الله في الآخرة مسروراً فأبدله الله تعالى بالغم الفاني سروراً دائماً لا ينفذ الثاني: أن قوله: {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً} كقوله: {وَإِذَا انقلبوا إلى أَهْلِهِمْ انقلبوا فكهين} [المطففين: 31] أي متنعمين في الدنيا معجبين بما هو عليه من الكفر فكذلك هاهنا يحتمل أن يكون المعنى أنه كان في أهله مسروراً بما هم عليه من الكفر بالله والتكذيب بالبعث يضحك ممن آمن به وصدق بالحساب، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».
{إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14)}
فاعلم أن الحور هو الرجوع والمحار المرجع والمصير وعن ابن عباس.
ما كنت أدري ما معنى يحور، حتى سمعت إعرابية تقول لابنتها حوري أي ارجعي، ونقل القفال عن بعضهم أن الحور هو الرجوع إلى خلاف ما كان عليه المرء كما قالوا: «نعوذ بالله من الحور بعد الكور» فعلى الوجه الأول معنى الآية أنه ظن أن لن يرجع إلى الآخرة أي لن يبعث، وقال مقاتل وابن عباس: حسب أن لا يرجع إلى الله تعالى، وعلى الوجه الثاني أنه ظن أن لن يرجع إلى خلاف ما هو عليه في الدنيا من السرور والتنعم.
{بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}
ثم قال تعالى: {بلى} أي ليبعثن، وعلى الوجه الثاني يكون المعنى أن الله تعالى يبدل سروره بغم لا ينقطع وتنعمه ببلاء لا ينتهي ولا يزول.
أما قوله: {إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بهِ بَصِيراً} فقال الكلبي: كان بصيراً به من يوم خلقه إلى أن بعثه، وقال عطاء: بصيراً بما سبق عليه في أم الكتاب من الشقاء، وقال مقاتل: بصيراً متى بعثه، وقال الزجاج: كان عالماً بأن مرجعه إليه ولا فائدة في هذه الأقوال، إنما الفائدة في وجهين ذكرهما القفال الأول: أن ربه كان عالماً بأنه سيجزي.
والثاني: أن ربه كان عالماً بما يعمله من الكفر والمعاصي فلم يكن يجوز في حكمته أن يهمله فلا يعاقبه على سوء أعماله، وهذا زجر لكل المكلفين عن جميع المعاصي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ}
نزلت في الأسود بن عبد الأسد أخي أبي سلمة؛ قاله ابن عباس.
ثم هي عامة في كل مؤمن وكافر.
قال ابن عباس: يمدّ يده اليمنى ليأخذ كتابه فيجذبه مَلَك، فيخلع يمينه، فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره.
وقال قتادة ومقاتل: يفك ألواح صدره وعظامه ثم تدخل يده وتخرج من ظهره، فيأخذ كتابه كذلك.
{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} أي بالهلاك فيقول: يا ويلاه، يا ثبوراه.
{ويصلى سَعِيراً} أي ويدخل النار حتى يصلى بحرّها.
وقرأ الحِرْميان وابن عامر والكسائي {ويُصْلَى} بضم الياء وفتح الصاد، وتشديد اللام؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} [الحاقة: 31] وقوله: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94].
الباقون {ويَصْلَى} بفتح الياء مخففاً، فعل لازم غير متعد؛ لقوله: {إِلا من هو صالِ الجحيم} وقوله: {يَصْلَى النار الكبرى} [الأعلى: 12] وقوله: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الجحيم} [المطففين: 16].
وقراءة ثالثة رواها أبان عن عاصم وخارجة عن نافع وإسمعيل المكي عن ابن كثير {ويُصْلَى} بضم الياء وإسكان الصاد وفتح اللام مخففاً؛ كما قرئ: {وسَيُصْلَون} بضم الياء، وكذلك في (الغاشية) قد قرئ أيضًا: {تُصْلَى ناراً} وهما لغتان صلى وأصلى؛ كقوله: (نزل. وأنزل) {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ} أي في الدنيا {مَسْرُوراً} قال ابن زيد: وصف الله أهل الجنة بالمخافة والحزن والبكاء والشفقة في الدنيا، فأعقبهم به النعيم والسرور في الآخرة.
وقرأ قول الله تعالى: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم} [الطور: 26-27].
قال: ووصف أهل النار بالسرور في الدنيا والضحِك فيها والتفكه.
فقال: {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً}.
{إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} أي لن يرجع حياً مبعوثاً فيحاسب، ثم يثاب أو يعاقب.
يقال: حار يحور إذا رجع؛ قال لبيد:
وما المرء إِلا كالشهابِ وضوئِهِ ** يحورُ رَماداً بعد إِذا هو ساطِعُ

وقال عِكرمة وداود بن أبي هند، يحور كلمة بالحبشية، ومعناها يرجع.
ويجور أن تتفق الكلمتان فإنهما كلمة اشتقاق؛ ومنه الخبز الحُوارَى؛ لأنه يرجع إلى البياض.
وقال ابن عباس: ما كنت أدري: ما يحور؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها: حُورى، أي ارجَعي إلى، فالحَوْر في كلام العرب الرجوع؛ ومنه قوله عليه السلام: «اللهم إني أعوذ بك من الحَوْر بعد الكَوْر» يعني: من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة، وكذلك الحُور بالضم.
وفي المثل (حُورٌ في محارة) أي نقصان في نقصان.
يضرب للرجل إذا كان أمره يُدْبِر؛ قال الشاعر:
واستعجلوا عن خفِيف المضغِ فازدردوا ** والذم يبقَى وزاد القومِ في حُوْرِ

والحُورْ أيضًا: الاسم من قولك: طحَنَتِ الطاحنة فما أحارت شيئاً؛ أي ما ردت شيئاً من الدقيق.
والحُورْ أيضًا: الهلكة؛ قال الراجز:
في بِئرِ لا حُورٍ سَرَى ولا شَعَر

قال أبو عبيدة: أي بئر حُورِ، و(لا) زائدة.
وروي (بعد الكون) ومعناه من انتشار الأمر بعد تمامه.
وسئِل معمر عن الحَوْر بعد الكون، فقال: هو الكُنْتِيّ.
فقال له عبد الرزاق: وما الكُنْتِيّ؟ فقال: الرجل يكون صالحاً ثم يتحول رجل سَوْء.
قال أبو عمرو: يقال للرجل إذا شاخ: كنتِيّ، كأنه نسب إلى قوله: كنت في شبابي كذا.
قال:
فأصبحت كُنتِيا وأصبحت عاجِنا ** وشر خِصالِ المرءِ كُنْتُ وعاجِنُ

عجن الرجل: إذا نهض معتمداً على الأرض من الكبر.
وقال ابن الأعرابي: الكنتِيّ: هو الذي يقول: كنت شاباً، وكنت شجاعاً، والكانِيّ هو الذي يقول: كان لي مال وكنت أهب، وكان لي خيل وكنت أركب.
قوله تعالى: {بلى} أي ليس الأمر كما ظنّ، بل يحور إلينا ويرجع.
{إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} قبل أن يخلقه، عالماً بأن مرجعه إليه.
وقيل: بلَى ليَحُورنّ وليرجعَنّ.
ثم استأنف فقال: {إن ربه كان بِهِ بِصيرا} من يوم خلقه إلى أن بعثه.
وقيل: عالماً بما سبق له من الشقاء والسعادة.
قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} نزلت في الأسود بن عبد الأسد أخي أبي سلمة؛ قاله ابن عباس. ثم هي عامة في كل مؤمن وكافر.
قال ابن عباس: يمدّ يده اليمنى ليأخذ كتابه فيجذبه مَلَك، فيخلع يمينه، فيأخذ كتابه بشماله من وراء ظهره.
وقال قتادة ومقاتل: يفك ألواح صدره وعظامه ثم تدخل يده وتخرج من ظهره، فيأخذ كتابه كذلك.
{فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} أي بالهلاك فيقول: يا ويلاه، يا ثبوراه.
{ويصلى سَعِيراً} أي ويدخل النار حتى يصلى بحرّها.
وقرأ الحِرْميان وابن عامر والكسائي {ويُصْلَى} بضم الياء وفتح الصاد، وتشديد اللام؛ كقوله تعالى: {ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ} [الحاقة: 31] وقوله: {وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ} [الواقعة: 94].
الباقون {ويَصْلَى} بفتح الياء مخففاً، فعل لازم غير متعد؛ لقوله: {إِلا من هو صالِ الجحيم} وقوله: {يَصْلَى النار الكبرى} [الأعلى: 12] وقوله: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الجحيم} [المطففين: 16].
وقراءة ثالثة رواها أبان عن عاصم وخارجة عن نافع وإسمعيل المكي عن ابن كثير {ويُصْلَى} بضم الياء وإسكان الصاد وفتح اللام مخففاً؛ كما قرئ: {وسَيُصْلَون} بضم الياء، وكذلك في (الغاشية) قد قرئ أيضًا: {تُصْلَى ناراً} وهما لغتان صلى وأصلى؛ كقوله: (نزل. وأنزل) {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ} أي في الدنيا {مَسْرُوراً} قال ابن زيد: وصف الله أهل الجنة بالمخافة والحزن والبكاء والشفقة في الدنيا، فأعقبهم به النعيم والسرور في الآخرة.
وقرأ قول الله تعالى: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ في أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ الله عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السموم} [الطور: 26-27].
قال: ووصف أهل النار بالسرور في الدنيا والضحِك فيها والتفكه.
فقال: {إِنَّهُ كَانَ في أَهْلِهِ مَسْرُوراً}.
{إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ} أي لن يرجع حياً مبعوثاً فيحاسب، ثم يثاب أو يعاقب.
يقال: حار يحور إذا رجع؛ قال لبيد:
وما المرء إِلا كالشهابِ وضوئِهِ ** يحورُ رَماداً بعد إِذا هو ساطِعُ

وقال عِكرمة وداود بن أبي هند، يحور كلمة بالحبشية، ومعناها يرجع.
ويجور أن تتفق الكلمتان فإنهما كلمة اشتقاق؛ ومنه الخبز الحُوارَى؛ لأنه يرجع إلى البياض.
وقال ابن عباس: ما كنت أدري: ما يحور؟ حتى سمعت أعرابية تدعو بنية لها: حُورى، أي ارجَعي إلى، فالحَوْر في كلام العرب الرجوع؛ ومنه قوله عليه السلام: «اللهم إني أعوذ بك من الحَوْر بعد الكَوْر» يعني: من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة، وكذلك الحُور بالضم.
وفي المثل (حُورٌ في محارة) أي نقصان في نقصان.
يضرب للرجل إذا كان أمره يُدْبِر؛ قال الشاعر:
واستعجلوا عن خفِيف المضغِ فازدردوا ** والذم يبقَى وزاد القومِ في حُوْرِ

والحُورْ أيضًا: الاسم من قولك: طحَنَتِ الطاحنة فما أحارت شيئاً؛ أي ما ردت شيئاً من الدقيق.
والحُورْ أيضًا: الهلكة؛ قال الراجز:
في بِئرِ لا حُورٍ سَرَى ولا شَعَر

قال أبو عبيدة: أي بئر حُورِ، و(لا) زائدة.
وروي (بعد الكون) ومعناه من انتشار الأمر بعد تمامه.
وسئِل معمر عن الحَوْر بعد الكون، فقال: هو الكُنْتِيّ.
فقال له عبد الرزاق: وما الكُنْتِيّ؟ فقال: الرجل يكون صالحاً ثم يتحول رجل سَوْء.
قال أبو عمرو: يقال للرجل إذا شاخ: كنتِيّ، كأنه نسب إلى قوله: كنت في شبابي كذا.
قال:
فأصبحت كُنتِيا وأصبحت عاجِنا ** وشر خِصالِ المرءِ كُنْتُ وعاجِنُ

عجن الرجل: إذا نهض معتمداً على الأرض من الكبر.
وقال ابن الأعرابي: الكنتِيّ: هو الذي يقول: كنت شاباً، وكنت شجاعاً، والكانِيّ هو الذي يقول: كان لي مال وكنت أهب، وكان لي خيل وكنت أركب.
قوله تعالى: {بلى} أي ليس الأمر كما ظنّ، بل يحور إلينا ويرجع.
{إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} قبل أن يخلقه، عالماً بأن مرجعه إليه.
وقيل: بلَى ليَحُورنّ وليرجعَنّ.
ثم استأنف فقال: {إن ربه كان بِهِ بِصيرا} من يوم خلقه إلى أن بعثه.
وقيل: عالماً بما سبق له من الشقاء والسعادة. اهـ.